
حماية الطفولة بالمغرب بين التشريعات والواقع المرير.. جريمة تهز شفشاون
بقلم | عزيز النوالي
قطع المغرب أشواطًا مهمة في مجال حماية الطفولة، حيث جعل هذا الملف من أولوياته، وعمل على تضمينه في مختلف تشريعاته القانونية وفق مقاربة تشاركية تشمل مختلف الفاعلين من قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية وجمعيات حقوقية. وقد كان من بين أوائل الدول المنخرطة في اتفاقية حقوق الطفل منذ 1989، كما شهدت العقود الماضية التزامًا ملكيًا متواصلاً بهذا الملف، بدءًا من توقيع الملك الراحل الحسن الثاني على الإعلان العالمي لحماية الطفل عام 1992، مرورًا بانخراط الملك محمد السادس في دعم “خطة العمل الوطنية للطفولة 2006-2015″، ووصولًا إلى التنصيص الدستوري على حماية حقوق الأطفال، لا سيما في الفصل 32 من دستور 2011.
هذه الجهود تعززت بإحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يتابع قضايا الطفولة ضمن اختصاصاته، حيث يعمل على مأسسة مبدأ مشاركة الأطفال في القرارات التي تخصهم، ومراقبة مدى ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة. كما أن الفصل 31 من الدستور يُلزم الدولة بضمان حقوق الأطفال في الصحة، الحماية الاجتماعية، والتعليم، مما يجعل حماية الطفولة التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا للدولة ومؤسساتها.
ورغم هذه المجهودات، لا تزال بعض المناطق تعاني من انتهاكات خطيرة لحقوق الطفل، كما هو الحال في إقليم شفشاون، الذي شهد جريمة اغتصاب مروعة تعرضت لها طفلة تبلغ من العمر ثماني سنوات، تنحدر من دوار تورات بجماعة بني أحمد الغربية. هذه الواقعة الصادمة تعكس تحديات حقيقية في تنزيل السياسات الوطنية لحماية الطفولة على المستوى المحلي، خاصة في المناطق المهمشة، حيث تعاني الأسر من ضعف الحماية القانونية والاجتماعية.
إلى جانب الجريمة ذاتها، تبرز ممارسات مقلقة مرتبطة بغياب الحماية الكافية للضحايا، من تهديدات تتعرض لها أسرة الطفلة، إلى محاولات التأثير عليها من أجل التنازل عن المتابعة القضائية. مثل هذه الممارسات تقوض أسس العدالة، وتكشف عن الحاجة إلى تعزيز حضور الدولة بمختلف أجهزتها لضمان عدم الإفلات من العقاب.
إن تحقيق بيئة آمنة للأطفال لا يقتصر فقط على وضع القوانين، بل يتطلب تفعيلًا حقيقيًا لها، وضمان سرعة التدخل في حالات الانتهاك، وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التصدي لمثل هذه الجرائم. وهنا يبرز دور المؤسسات الأمنية، الجهات القضائية، المجتمع المدني، ووسائل الإعلام في حماية الأطفال، وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات، وذلك عبر تطبيق صارم للقانون ومعاقبة الجناة، حتى تكون حماية الطفولة في المغرب واقعًا ملموسًا، وليس مجرد التزام نظري.