مجتمع

أصيلة تختنق تحت وطأة البلطجة السياسية.. من يحمي سطوة الخارجين عن القانون؟”

في قلب أصيلة، جوهرة الشمال ومدينة الحوار والثقافة، تنبعث اليوم روائح التسلط والترهيب بدل عبق الفن والتنوع الثقافي. المدينة، التي لطالما كانت منارة فكرية تحتضن المثقفين والفنانين من مختلف بقاع العالم، بدأت تشهد تحولات مثيرة للقلق، تحولات عنوانها الأبرز: “بلطجة منظمة محمية بغطاء سياسي”.

تُروى في أزقة أصيلة اليوم حكايات ليست من نسج الخيال، بل هي وقائع تتكرر أمام أعين السكان الذين باتوا يخشون التعبير مخافة التعرض للمضايقة أو التهديد. هذه الممارسات التي يقوم بها بعض من يقدّمون أنفسهم كـ “نشطاء” على مواقع التواصل الاجتماعي، تحوّلت إلى أداة لترهيب كل من لا يساير أجندات خفية تخدم مصالح ضيقة لأطراف سياسية بعينها، بل أكثر من ذلك يتم استعمال صفحات مستعارة لتشويه الناس وكل من يختلف معهم.

يقول أحد سكان حي القصبة: “ما بقاش عندنا أمان، كل شيء ولى خاضع لناس محسوبين على جهة سياسية، واللي يعارضهم كيتعرض للتشهير.”

المقلق أكثر هو صمت الجهات المعنية، التي تبدو عاجزة أو غير راغبة في التصدي لهذه الظاهرة المتنامية، رغم أنها تهدد السلم الاجتماعي وتفرغ القانون من مضمونه. فاحتلال الملك العمومي يتم جهارًا، من خلال إنشاء مشاريع ومرافق عشوائية دون احترام للقوانين التنظيمية، في حين تُواجه بعض المشاريع المتميزة التي تخدم القطاع السياحي وتحسن من جاذبية المدينة بهجوم غير مبرر، رغم أنها تسهم في توفير فضاءات راقية للزوار .

يرى العديد من أبناء المدينة أن ما يقع ليس مجرد ممارسات معزولة أو فوضى ناتجة عن الإهمال، بل هو نتيجة مخطط محكم يُدار من طرف فاعل سياسي يترأس حزب سياسي محلي ،   يسعى لرسم صورة “المنقذ”، في حين يستعمل نفوذه وأذرعه لإحكام السيطرة على المجال العام، وتخويف كل من يرفض الانصياع لتوجهاته.

نفس البلطجة التي حاولت تشويه كل ما هو جميل بالمدبنة، والدفاع عن منافع الفساد، تحاول اليوم الهجوم بشكل سرش على   مشروع الميناء الجديد، فلا يخفى ان المشروع شابه العديد من الخروقات والمشاكل الحقيقية والتي عبرت عنها مرارا هيئات مهنية، ، لكن التعبير عن الرأي أو المطالبة بتصحيح المسار يجب أن يتم بطرق حضارية ونضالية، وفق ما يكفله القانون، بعيدًا عن أساليب التشهير أو العنف أو التهديد. فالمملكة المغربية دولة مؤسسات وقانون، وليست فضاءً للفوضى أو منطق “الغاب”.

كما ان وقع مؤخرًا، من صراع قيل أنه مواجهة بالسيوف، ومحاولة تحويره إعلاميًا، يشكل خطرًا حقيقيًا على مستقبل المدينة وهويتها. فأصيلة لم تكن يومًا مدينة للعنف أو ساحة للمواجهة، بل كانت وستظل مساحة للإبداع، والجمال، والانفتاح. لكنها اليوم تبدو محاصَرة من قبل من اختاروا استغلال مواقعهم لفرض واقع لا يحترم القانون ولا يعترف بالمؤسسات.

ومع غياب تدخل واضح وحازم من الجهات المسؤولة، تتفاقم الأزمة ويزداد شعور الساكنة بالعزلة والخذلان. ما تحتاجه أصيلة اليوم ليس الخطب والشعارات، بل قرارات جريئة وملموسة تطبّق على الجميع دون استثناء، تعيد الاعتبار للملك العمومي، وتصون كرامة المواطن، وتوقف استغلال النفوذ السياسي لترهيب الناس وتكميم الأصوات الحرة.

السطو على حرية التعبير، ومحاولات الترهيب، تؤثر سلبًا على القطاع السياحي، الذي يُفترض أن يكون رافعة تنموية أساسية للمدينة، فبدل تشجيع الاستثمارات الجادة، والمبادرات التي تحترم الجودة والجمالية، يُصار إلى محاربة المشاريع المنظمة، واللجوء إلى أساليب لا تليق بصورة المدينة ولا بتاريخها العريق.

السؤال الذي يتردد اليوم في أذهان الساكنة: من يوقف هذا العبث؟ ومن يعيد لأصيلة وجهها الحقيقي، قبل أن تُطمس ملامحه بالكامل تحت ركام المصالح الضيقة والممارسات الملتوية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى