مجتمع

المستشفى الجامعي بطنجة.. صرح طبي أم مؤسسة عقابية؟

يتحول المستشفى الجامعي بطنجة، في أعين عدد من المرتادين، من مؤسسة استشفائية يفترض أن تكون فضاءا للراحة والعلاج، إلى ما يشبه منشأة أمنية محكومة بقانون داخلي أقرب إلى أنظمة المؤسسات العقابية منه إلى الأعراف الطبية والإنسانية.

فمنذ اللحظة الأولى لدخول المستشفى، يستقبل الزائر أو المريض بجدار من الإجراءات الصارمة، حيث تنتشر عناصر الأمن الخاص بكثافة لافتة، قد تفوق في عددها الطاقم الطبي، في مشهد يبعث على القلق أكثر مما يبعث على الطمأنينة.

كل خطوة يقابلها استجواب، وإن كان بلغة مهذبة، إلا أن تكرار الأمر يحيل المستشفى إلى فضاء مشحون، لا يعكس روح الانفتاح والرعاية التي ينبغي أن تطبع المؤسسات الصحية.

ورغم أن المستشفى يوصف بـ”الجامعي”، إلا أنه في الواقع يشبه المؤسسات الخاصة في شروطه، حيث لا يستقبل المرضى او تلح اقدامهم المشفى إلا بعد تقديم وثيقة الموعد أو ما شابه، فضلا عن وثائق التغطية الصحية أو الأداء النقدي من أجل العلاج، وهو ما يفرغ المفهوم العمومي للخدمة من مضمونه.

والمفارقة أن مستشفيات خاصة بطنجة تتيح ولوجا سلسا وتعاملا راقيا، بينما يجد المواطن نفسه  وكأنه في  “مدينة العسر” وهو يحاول الدخول إلى المستشفى الجامعي الذي وجد، نظريا، من أجل التيسير.

معاناة تتجاوز الداخل إلى الخارج

المعاناة لا تقف عند أبواب الأقسام العلاجية والشبابيك، بل تبدأ من الخارج.

فبالرغم من توفر المستشفى على موقف للسيارات، يمنع عموم المواطنين من استخدامه، ويرغمون على ترك سياراتهم على قارعة الطريق، ما يعرضهم لخطر سحب المركبات إلى المحجز البلدي، حتى في أحلك الظروف، مثل إسعاف مريض في وضع حرج.

انفصال عن الواقع الإنساني للمريض

القوانين الداخلية المشددة تحرم المرضى من أبسط حقوقهم في المواكبة النفسية، إذ يمنع الأزواج والأقارب من السهر إلى جانب ذويهم، رغم أن أغلب المرضى لا يجدون الراحة ولا الاطمئنان إلا بوجود من يحبونهم إلى جانبهم، فضلا عن المساعدة الدعم النفسي ولو المرافقة إلى بيت الراحة أبسط شيء.

المفارقة الكبرى أن هذا المنع يأتي في وقت يشكو فيه المرضى من غياب الرعاية الكافية، حيث تسهر ممرضة واحدة أو اثنتان فقط على أكثر عدد من المرضى، ما يشكل عبئا غير منطقي على الطاقم التمريضي، ويعرّض المرضى للخطر.

حالة مؤلمة تجسد الخلل

كشفت واقعة إنسانية مؤثرة عمق الأزمة، إذ اضطرت شابة إلى إطلاق نداء عبر “فيسبوك” للبحث عن والدتها التي كانت ترقد بالمستشفى، بعدما منعت من زيارتها، وجهلت إن كانت لا تزال على قيد الحياة.

مشهد صادم أعاد إلى الأذهان واقع السجون، حيث تنقطع أخبار السجين عن ذويه لأيام، وليس مؤسسة استشفائية من المفترض أن تنبض بالرحمة.

غياب حس التسيير الرحيم رغم الإرادة الملكية

هذا الوضع، وإن كان صادما، لا يعكس ضعف الموارد أو غياب الإرادة السياسية، فجلالة الملك محمد السادس ما فتئ يؤكد في خطاباته وتوجيهاته على ضرورة النهوض بالمجال الصحي، وتوفير البنيات والخدمات للمواطنين في إطار الكرامة والعدالة المجالية، إلا أن إشكالية المستشفى الجامعي بطنجة تكمن في عقلية التدبير، لا في البنية أو الإمكانيات.

ختاما، يبقى السؤال الأبرز:
هل نحتاج إلى إعادة بناء المستشفى؟ أم أننا في حاجة إلى إعادة بناء المنطق الإداري والعقليّة التي تديره؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى